تونس

البحث عن الهوية الوطنية أولوية العهد الجديد

يرى مراقبون ان الثورة التونسية مثّلت حدثا استثنائيا في تاريخ البلاد، رغم ذلك الا انها لم تنجح حتى الآن في إحداث اي تغيير جذري في التعامل مع مسألة الهوية الوطنية، خاصة في التعامل مع اللغة العربية كعنوان اساسي من عناوين هذه الهوية، والتي يرى مراقبون أنها «معرضة للمسخ»، بسبب ما تتعرض له من انتهاك مباشر وغير مباشر مع ازدياد تغلغل اللوبي الفرنكوفوني، وبتحرك المؤسسات الثقافية والاعلامية الفرنسية في التخطيط لاستراتيجيات الثقافة والتعليم والاعلام في تونس، تحت مسمّى «القيم الكونية» و«الحداثة».

لا نصير

ويرى مراقبون أن اللغة العربية أضحت في تونس «دون نصير يدافع عنها»، سيما مع ظهور سيطرة مفاجئة للغة الفرنسية في خطابات بعض وسائل الاعلام والاحزاب والجمعيات والمنظمات سواء عبر التمويل او الوصاية المباشرة او التدريب. ويشير المحللون إلى أن «ضعف التيارات الفكرية والسياسية القومية والعروبية وغياب الدور العربي في التأطير الثقافي للثورة»، أوجد قناعة لدى بعض المفكرين أنه «لابديل عن التأسيس لثقافة جديدة تضع حد للارث الثقافي اللغوي الاستعماري الذي رافق الدولة التونسية طيلة العقود الخمسة الماضية».

من جهته، يقول استاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية د. محمود الذوادي ان «من مفارقات هذه الثّورة الثقافية، أنّ غالبية التونسيّين يلوذون بصمت شبه كامل بشأن الإرث اللّغوي الثقافي الاستعماري الذي عمل على تجذيره نظاما الرئيس السابق بورقيبة والمخلوع زين العابدين بن علي في شخصيهما وفي مؤسّساتهما وفي ثقافة المجتمع التونسي بصفة عامّة، بحيث أصبح معظم التونسيّين عن وعي ودون وعي يفتخرون بذلك الإرث وينادون بالإبقاء عليه وبصيانته»، على حد تعبيره. وبحسب الذوادي فإن هذا الصمت يتمثل في سكوتهم عمّا سماه «التخلّف الآخر» متمثّلاً في الإرث اللغوي الثقافي الاستعماري الفرنسي الذي نجح بورقيبة وبن علي في المحافظة عليه على حساب الاستقلال اللغوي الثّقافي من المستعمر الفرنسي.

ويشير إلى أن «مناداة بورقيبة وبن علي بصيانة الإرث اللغوي الثقافي الفرنسي على حساب لغة البلاد وثقافتها تعدّ شهادةَ على ضعف رؤيتهما للوطنية الحقيقية وقصورها». ويردف قائلا إن «الدستور التونسي يقرر في صدارة بنوده أنّ اللغة العربية هي اللّغة الوطنية للمجتمع التونسي المستقلّ، فكيف يجوز وصف نظاميْ بورقيبة وبن علي والنّخب السياسية والفكرية والمتعلّمة بالوطنية الحقيقية التي عملت ولا تزال على تهميش اللّغة العربية وثقافتها؟».

مفردات السيادة

وبحسب أستاذ علم الاجتماع التونسي فإن مفردات السّيادة «تقترن في القاموس السياسي بقدرة الدولة على الدّفاع عن حدود الوطن وصيانة أمنه الداخلي والحفاظ على استقلاليّة سياستها الخارجية، ومن ثمّ، سُمّيت وزارات الدّفاع والداخلية والخارجيّة وزارات السّيادة». ويمضي متحدثا «في المقابل، يلاحظ المرء اليوم غيابًا مفزعًا لدى التونسيين لما أودّ تسميته السّيادة اللغوية، أي اعتبار اللغة العربية الوطنية رمزًا لسيادة البلاد التونسية، مثلها مثل العلم التونسي وبقيّة معالم السّيادة التي تتبنّاها اليوم الأقطار الصّغيرة والكبيرة في العالم، فمثلا، تتبنّى المجتمعات المتقدّمة مبدأ السّيادة اللغوية عقيدةً مقدّسة لا تقبل التّشكيك فيها أو التعدّي عليها، وهذا ما نلاحظه في الاتّحاد الأوروبي الذي يضمّ أكثرَ من عشرين دولة تحترم فيه بالتساوي لغة أكبر الأعضاء كألمانيا وأصغر الأعضاء كمالطا، إذ اللّغة هي رمز لسيادة كلّ واحدة منها ولا يجوز التّنازل عنها».

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram
متوفر في App Storeمتوفر في Google Play

الأكثر شعبية

تابعنا علي "فيس بوك"

اقرأ أيضا

اختيارات المحرر