First Published: 2010-09-01

الزربية التونسية: عبق التاريخ وإبداع الإنسان

 

المرأة التونسية تتفنن بصناعة السجاد التونسي الذي يجمع بين أصالة البلاد وجمال ذوق أهلها.

 

ميدل ايست أونلاين

إذا أردت الاحتفاظ بتذكار من تونس..فعليك بـ'الزربية'

تونس - إذا صادف وزرت تونس في فصل الربيع ولفت انتباهك ما يكسو الأرض من ألوان بديعة فإنك لن تجد أدق من تعبير التونسيين لوصف هذا المشهد من كلمة "زربية"، وإذا أردت أن تتعرف إلى ما تتفنن في نسجه أيادي المرأة التونسية بكل مهارة ودقة فإنك لن تجد أفضل من "الزربية"، وإذا كنت شغوفا بمعرفة ما يفترشه الأعيان والأثرياء والوجهاء في الماضي والحاضر فإنك لن تجد سوى "الزربية"، وإذا كنت واحدا من بين الملايين الخمسة الذين يزورون تونس سنويا للسياحة وشئت أن تحتفظ بتذكار نفيس فانك بالتأكيد لن تجد أفضل من "الزربية" التي تجمع في حياكتها بين أصالة تونس وعراقة تاريخها وتفتح حضارتها وجمال ذوق أهلها.

وأصل كلمة "زربية" في اللجهة التونسية مستمد من اللغة العربية كما وردت في القرآن الكريم: إذ قال الله تعالى في سورة الغاشية "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ، لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَة،ً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَة،ٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَة،ٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَة،ٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ".

جودة الزربية التونسية

والزربية التونسية التي كانت لا تتعدى 40.000 عقدة في المتر المربع (دقة 200x200) تعدت ذلك إلى 250.000 عقدة في المتر المربع (دقة 500x500) كما أن الدقات الوسطى (300x300) و(400x400) تتوفر بكثافة وهي مطلوبة جدا في الأسواق الداخلية والخارجية، ولعلّ الإنتاج المنزلي أو المنظم الذي يمثل قاعدة إنتاج الزربية التونسية بات يتمتع بمساعدة السلطات التونسية ويخضع من ناحية أخرى إلى علامة الجودة، حيث تلصق هذه العلامة المختومة على ظهر الزربية وتحمل بيانات حول الجودة والدقة والمقاسات والنموذج وتاريخ صنع الزربية.

وبعناية من السلطات التونسية التي عملت على تطوير القطاع والنهوض به شهدت بنيته قفزة نوعية هامة حيث تم تطوير الأنوال البدائية ومعالجة المكونات وتحسين جودة الأصواف وتطويعها، ووضع مقاييس تقنية للإنتاج والتدريب المنظم. واليوم فإن نسيج الزربية يمثل نشاطا مراقبا طرأت عليه تغييرات وتحولات عميقة على مستوى تنظيم العمل وتقنيات الصنع.

وموازاة لتقليد الشكل القيرواني كنموذج للزربية الراقية تعددت تشكيلات الألوان الدافئة والناصعة حسب أهواء وإقبال الحرفيات وتوفر الأصباغ بشكل هام. أما التقليد المتميز فهو تقليد مدينة بنزرت التي ابتدعت نمطا يتميز بنشر زخارف منظمة ومنسقة مكان الحقل المستطيل أو بتكرار شكل منتظم تربيعيا أو تعيينا يعيد تفصيلا من الركنيات القيروانية أو جزئيات أخرى من الحاشية.

وتم تقليد الزربية القيروانية في تنوعاتها في مدن تونسية عديدة، إذ أن كل جهة تتواتر فيها أسطورة معلمة جاءت من القيروان واستوطنت بالمنطقة وأدخلت التقنية القيروانية.

وقد صاغت التأثيرات الحرفية الجهوية، والمعتقدات الدينية، والاستعارات المختلفة من زخارف الجليز والتطريز نماذج زالت وأخرى رسخت حسب حاجيات السوق.

وتبقى بعض النماذج الأصلية القديمة مبعث إلهام يترك حرية الإبداع للحرفيات لتوسيع حاشية أو تهذيب رسم أو تنمية زهرة، أو مضاعفة محراب أو خط الحواشي بشريط جيد أو نشر الحقل الأوسط بزخارف مختلفة.

وتشكل الصناعات التقليدية لدى الشعوب جزءا هامّا من رصيدهم التراثي، وتحظى بعنايتهم الخاصّة كعنصر هام من مقومات الشخصية الوطنية.

وتجمع الصناعات التقليدية بين أنواع شتى من الملابس والمفروشات ووسائل الزينة وغيرها من المبتكرات العديدة التي صاغتها وحاكتها الأجيال من خلال تجربتها الطويلة لتتحول في الأخير إلى موروث حضاري وثقافي تعتز به الشعوب وتتناقله الأجيال استعمالا وصناعة لما يزخر به من جمالية وبعد وطني وانتساب إلى تاريخ طويل وأصيل أكد قيمة تلك الشعوب وعراقتها ومجدها.

وكل هذه الأبعاد التي تمثلها الصناعات التقليدية لدى الشعوب مثلت تراكمات حضارية وثقافية من ناحية، ثم أكدت وتؤكد خاصة في مرحلتها الحالية بعدا اقتصاديا لا يستهان به، حتى أن الصناعات التقليدية أصبحت اليوم تلعب دورا هاما في الاقتصاد والتنمية وتمثل دعما بارزا في دفع قطاع السياحة بتطوير مجالاته وتوسيع نشاطاته وتنويعها ليمثل من ناحية مرآة تعكس عراقة الشعوب ثم وجها بارزا وخصوصية من خصوصيات سياحة البلدان.

وتونس البلد العربي العريق والثري بموروثه الثقافي والحضاري تعتبر من أبرز البلدان العربية المنتجة للزربية. وقد توارثت فيها صناعة الزربية منذ أقدم العصور مما جعلها تمثل في عديد جهات البلاد الصناعة الأولى المعروفة لا وطنيا بل عالميا.

وقد تفنن التونسيون في هذه الصناعة فتم تطويرها على مرّ الأجيال حتى ظهرت أنماط وأشكال عديدة من هذا المنسوج الجيد والأنيق والنبيل.

فكيف تطور صنع الزربية في تونس عبر الزمان؟ وما هي أبرز أنواعها وأشكالها وأهم الجهات التي اختصت في هذه الصناعة؟ ثم كيف تطورت هذه الصناعة وماذا عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية بخصوص الصناعة التقليدية بشكل عام والزربية بشكل خاص وما هو الدور الذي يلعبه الديوان الوطني للصناعات التقليدية في تونس في دفع وتطوير انتاج الزربية التونسية؟

تلك هي أبرز الأسئلة التي يمكن طرحها عند الحديث عن ماضي وحاضر صناعة الزربية في تونس وعن الآفاق المستقبلية لهذه الصناعة التي رغم التطور التكنولوجي، ما زالت تحافظ على طابعها التقليدي من حيث صناعتها ومادتها.

زرابي مبثوية

وظل السجاد أو الزربية يعيش في تونس على الدوام، يعاند الدهر ليؤثث المساكن ويحليها بأصوافه وزخارفه وألوانه المختلفة على الرغم من التحولات الاجتماعية وتطور أنماط العيش، ولئن ابتدأت الأغطية والمفروشات الصناعية تغزو البيوت فإن السجاد التقليدي أو الزربية سواء أكانت خيوطه متقاطعة أم متعاقدة احتفظ بنبله وأصالته، فهو مبعث على التباهي ورمز ثراء ويسر. فهو يعدّ من أهمّ مكونات جهاز العروس، ويعتبر عنصرا من عناصر التراث العائلي يورث تماما مثل العقارات والأموال الثابتة. وليس من باب المزاح أو العبث أن يقرّر أخوان أصيلا مدينة جبنيانة التونسية اقتسام كسية مناصفة وهي من المفروشات التقليدية ورثاها عن والديهما.

وعلاقة التونسي بالصوف هي علاقة ود ووجدان، إذ يصنع من هذه المادة المباركة التي ذكرها الله في كتابه العزيز، لباسه وغطاءه وفراشه وحتى مسكنه.

ويشهد التاريخ عن عراقة صناعة الصوف التقليدية وتأصلها، حيث مدحت المصادر التاريخية اليونانية جمال منسوجات قرطاج كما وردت الزرابي المصنوعة بالقيروان وأكبر مدن إفريقية (تونس) ضمن الخراج الذي كان أمراء بني الأغلب يؤدونه إلى العباسيين.

وقد كانت للبربر (سكان تونس الأصليين القدامى) قبل الفتح الإسلامي وبعده تقاليد عريقة في صنع الصوف وهم مقسمون بين مجتمع زراعي ومجتمع رعوي. وقد ذكر العلامة ابن خلدون (القرن الرابع عشر ميلادي) أن لباسهم ومعظم أثاثهم من الصوف.

السجاد التونسي وخصوصياته

ويأتي السجاد أو الزربية التونسية ذات الخيوط المتقاطعة في المركز الأول من حيث تنوعه. فاختص مرقوم مدينة وذرف الجنوبية برخرف مرسوم داخل مسدس مركزي أو معنيين مقرونيين، تحيط بهما طرر يكبر عرضها أو يصغر وقد زرعت معينات صغيرة محددة بخيوط بيضاء بارزة فوق أرضية حمراء أو زرقاء.

وتأخذ الرقمة وهي الوحدة الرخرفية الدنيا القابلة للتركيب والتوليف شكل مثلث أو ضعفه أي المعين، إذ تتولد عنه تشكيلات زخرفية مختلفة ومتعددة.

ويمتاز مرقوم منطقة أولاد سعيد من ولاية قفصة الجنوبية بزخرفه الهندسي المنصهر ضمن شرائط عريضة وبالفوارق اللونية التي تزينها، ذلك أن خلط الملونات الطبيعية بعضها مع بعضها الآخر يعطي سلم ألوان متعدد الدرجات.

ولا يبتعد مرقوم منطقة توجان، تلك القرية القابعة فوق ربوة من سلسلة جبال مطماطة بالجنوب التونسي عن مرقوم أولاد سعيد كثيرا من حيث ثراء الزخرف، غير أن ألوانه متضادة أكثر، ويعتبر الكليم النويري الدارج عن بدو الجنوب سجادا وغطاءا وسترا في الآن نفسه، وهو محلى بشرائط ضيّقة ومتعددة الألوان تتوسطها خانة أو أكثر تحمل زخرفا هندسيا في الألوان نفسها.

وفي قرية جبنيانة من بداية الجنوب التونسي كانت إلى عهد غير بعيد صناعة الكسية الأصلية مزدهرة ومحافظة على مقوماتها وخصوصياتها مثل ليونة النسيج وغزارة الزخارف الهندسية الدقيقة وغيرها، ففي مناسبات الأعياد والأفراح تغطي الكسية جدران أفنية المنازل وتحليها بألوانها الزاهية المتضادة، وعدا ذلك تفرش أرضا داخل الغرف حيث يناسب طولها البيوت التقليدية المستطيلة.

إلى جانب هذه الأنماط المختلفة من المنسوجات والمفروشات، تنتج بعض مدن تونس مثل القيروان وبنرزت سجادا أو زربية ذا خيوط معقودة، قد ذاع صيته داخل البلاد وخارجها، فتحيك نساء مدينة بنزرت الساحلية الشمالية زرابي أرضيتها مزروعة نقوشا زهرية محوّرة ومزدوجة في شكل معينات حمراء داكنة، تتعاقب مع معينات حمراء باهتة، وهذه النقوش هي نفسها التي تغطي الشرائط التي اشتهر بها سجاد القيروان.

الزربية القيروانية

وتحظى زربية القيروان بسمعة تجاوزت الحدود، وتفيد الذاكرة الشعبية في هذا الصدد أنها مستلهمة من زرابي بلاد الأناضول في تركيا، حيث أن زخرفها منظم داخل مسدس تحيط به أطر من الشرائط، ولعل هذا التوزيع العام هو الذي يوحي بانتماء سجاد القيروان إلى أسلوب الزرابي الشرقية، ويحمل هذا المسدس ذو الأضلع المدرجة أحيانا زخرفا نباتيا محورا، وربما تذكر زاويتاه الحادتان بشكل محاريب المساجد وتكشف عن علاقة وطيدة بين العمارة الدينية الإسلامية وفن النسيج التقليدي وليس من الغريب أن يقترن السجاد بالسجود.

ويطغى على زرابي القيروان المتعددة الألوان، اللون الأحمر كما أنها تحاك أيضا بأصواف غير مصبوغة في ألوان طبيعية تتدرج من الأبيض إلى البنّي، ويسمى هذا النمط الزربية "العلوشة" نسبة إلى "العلوش" وهو الخوف بالعامية التونسية.

ونتيجة للعمل الذي يقوم به الديوان الوطني للصناعات التقليدية في تونس أصبح صنع زرابي القيروان غير مقتصر على هذه المدينة، بل تعمقت حياكتها في سائر مدن البلاد وقراها، ومقابل هذا التعميم تحسنت الجودة وأصبحت تخضع إلى مواصفات مضبوطة منها معالجة الأصواف ضد آفات التآكل ودقة الحياكة المرتبطة بحد أدنى من عدد العقد وكذلك أحكام زرع الأشكال الزخرفية وتلوينها. فأصبح هذا النوع من السجاد أثاثا فاخرا، يغطى قاعة الجلوس والاستقبال فيضفي عليها طابعا من اليسر وشعورا بالدفء.

القطيف أقدم سجاد تونسي

وتشير رويات صحيحة تعود إلى عقود خلت إلى أن بعض قبائل البدو من الهمامة والمهاذبة ودريد في البلاد التونسية تحوي بين أبنائها حرفيين يقال لمفردهم "الرقام" يعرضون خدماتهم على البيوت، وقد اشتهروا بحياكة زرابي أو سجاد أو زربية تسمى "القطيف" ذات عقد أقل تراصا، لكنها تمتاز بصوفها السميك وألوانها الدافئة التي يغلب عليها الأحمر الداكن وكذلك بخيوط سداتها المأخوذة من شعر الماعز ووبر البعير، مما يعطيها متانة وروحا بدوية ريفية، كما أن زخارفها منظمة على شكل خانات مستقلة تحيط بها شرائط تؤطرها من كل جانب، الشيء الذي يذكرنا في الآن ذاته بالمرقوم والزربية القيروانية معا.

ويحمل القطيف زخرفا مركبا بإحكام شديد إذ تحاك النقوش داخل مربعات ومستطيلات وهي مأخوذة إما من الوحدات المألوفة في زخرف المرقوم المعينية أو من تلك التي تغطي زرابي القيروان وإما من سجل خاص به ويحتوي على أشكال تشبه الصلبان وأخرى نجمية ذات ثمانية شعب قد نلاحظها على السجاد الشرقي.

ويمكن القول إجمالا أن "القطيف" تأليف خصب وثري يأتي في منزلة بين المرقوم والزربية، وإلى أمد غير بعيد كانت القطائف تغطي أرضية الخيام البدوية وغرف المنازل التقليدية بالمدن، فتضيف إليها جمالا على جمالها، لكنها أوشكت أن تندثر دون رجعة بحكم تقلص المجتمع الرعوي لولا تدخل الديوان الوطني للصناعات التقليدية الذي حث الحرفيين على استغلال ثراء هذا البساط وغزارة نقوشه وإيقاعات زخارفه. فأفرزت آخر الابتكارات قطائف ذات نسيج أكثر دقة ومحلاة بزخارف تستلهم من المفردات التقليدية مع إعادة تنسيقها ضمن إيقاع تناظري لم يكن متوفرا في القطع القديمة.

وبشكل عام فإن التطورات التي شهدتها المنسوجات التونسية ضمن النهضة الهامة والواسعة التي شملتها سواء منها المعقودة أو ذات الخيوط المتقاطعة أصبحت تمثل مرجعا تراثيا لابتكارات جديدة في أساليب بصدد التشكل، وعلى غرار الخزف لم تعد الأنماط مستقلة بذاتها بل سقطت الحواجز وتداخلت الأصناف فصرنا نرى على الزرابي المعقودة نقوش المرقوم الهندسية وكذلك الأشكال الآدمية والحيوانية.

 

تبادل اطلاق نار جنوب الاردن ينتهي بمقتل ارهابي جزائري

الجزائر تقر زيادات ضريبية في موازنتها لاحتواء انهيار اسعار النفط

تونس تعِد شبابها بمؤتمر استثماري لمحاربة البطالة

القضاء الأردني يقضي بإعدام خمسة من أعضاء خلية إربد

تحذير ليبي من إعادة ترتيب الجهاديين لصفوفهم من جديد

مخاوف من تفاقم الوضع الإنساني لـ137 ألف نازح من الموصل

العبادي يمدد وعده ثلاثة اشهر لاستعادة الموصل

الهجرة تستهوي نحو نصف شبان الاحياء الشعبية في تونس

بوادر اتفاق سني شيعي حول التسوية السياسية في العراق

الجيش الليبي يخطط لدخول آمن لطرابلس

القوات العراقية تواجه مقاومة شرسة من الدولة الإسلامية

اختطاف صحفية عراقية من قبل مسلحين مجهولين

مجلس أعلى للإعلام في مصر يعينه الرئيس


 
>>