الهجرة العربية من الاحواز..أسبابها ومراحلها/حامد الكناني

الشاعر الوطني الاحوازي موسى الموسوي الذي يقيم في أوربا بعدما تعرض للسجن والنفي من الاحواز.

الشاعر الوطني الاحوازي موسى الموسوي الذي يقيم في أوربا بعدما تعرض للسجن والنفي في موطنه.

مركز دراسات عربستان الاحواز- كانت وما تزال الهجرة و ترك الديار من أخطر التهديدات التي تتعرض لها الدول النامية والشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبي  وإذ تزامنت هذه الهجرة وترك الأوطان مع توافد عنصر بشري آخر لجغرافيا معينة يكون العد التنازلي لنهاية الشعب الذي كان يعيش في هذه الجغرافيا قد بدء فعلا.

لا ينطبق هذا الأمر على الدول والشعوب المتقدمة حيث لدى هذه الدول والشعوب القدرة على جذب واستقدام طاقات مثقفة من خارج حدودها وملئ الفراق الحاصل في مجتمعاتها لكن الشعوب المضطهدة والمحتلة وبسبب خضوعها لهيمنة أجنبية ليس بمقدورها ملئ فراغ هجرة أبنائها الأمر الذي يؤدي إلى تضعيفها مقابل العنصر الغازي وتحكيم قبضة المحتل على مقدراتها أي بمعنى آخر الهجرة الطوعية للعقول مهما كانت أسبابها تعتبر عامل مساعد وداعم لتكريس الاحتلال وغلب التركيبة السكانية لصالح العنصر الأجنبي.

وعند مراجعة ظاهرة الهجرة العربية من الاحواز والساحل الشرقي ودراسة أسبابها ومراحلها نجد أن العنصر العربي وبعد خمسة موجات من الهجرة أصبح أمام قرارخطير لا يأخذه بنفسه فقط وإنما يختار له أن يكون أو أن لا يكون.

تسببت السياسات الجائرة للحكومات الإيرانية المتتالية تجاه هذه المنطقة الحيوية من العالم بإلحاق الكثير من الدمار والأضرار في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والبيئية وفي الكثير من المناطق العربية انغلبت التركيبة السكانية والمذهبية لصالح العنصرالفارسي حيث وصلت النسبة إلى مستويات خطيرة للغاية و أصبح العرب أقلية في أوطانهم التأريخية بعد ما كانت لهم السيادة لآلاف السنين.
12265961_1200788526616296_6266299558869535178_o

إمارة لنجة العربية نموذجا

كان حكام لنجة عرباً وكانت لنجة كبقية إمارات ضفتي الخليج عربية ثم آل الحكم فيها إلى شيوخ قبيلة القواسم العربية منذ أواخر القرن الثامن عشر وكانت العلاقات بين بلاد فارس وإمارة لنجة علاقات طبيعية في بداية الأمر، إلا أن هذه العلاقات أخذت تسوء نظراً لنمو ميناء لنجة وازدهارها  الاقتصادي مما حرك الأطماع الفارسية للسيطرة على الميناء والامارة. كما أن المقيم البريطاني في هذه الامارة العربية المطلة على الساحل الشرقي من الخليج  تدخل في الشؤون الداخلية للإمارة لتدعيم تجارة بريطانيا طالباً مساعدة الحكومة الفارسية مما اعتبره الإيرانيون حجة في ادعاء سيطرتهم على لنجة وملحقاتها.وتكرر هذا السيناريو  عندما ازدهرت إمارة المحمرة في ما بعد.

ووفق وثائق انجليزية وفارسية تعود لمطلع القرن العشرين، أن عدد سكان إمارة لنجة العربية كان يزيد عن خمسة الآف وأربعمائة أسرة عربية منها خمسة الآف عائلة تعتنق مذهب أهل السنة مقابل أربعمائة عائلة شيعية ولم تذكر الوثيقة الفارسية أي وجود للعنصر الفارسي لكن اليوم وبعد قرابة مائة سنة أصبحت هذه الإمارة العربية أحدى المدن الإيرانية تسكنها أغلبية فارسية والمذهب الرائج فيها هو المذهب الشيعي وأصبح العرب وأهل السنة أقلية مهمشة ومضطهدة على جميع الأصعدة.

وتنقسم ظاهرة الهجرة العربية التي شهدتها قرى و مدن و موانئ الساحل الشرقي للخليج العربي والاحواز طيلة التسعة عقود الماضية إلى خمسة مراحل و على النحو التالي:

d988d8abd98ad982d8a9-d981d8a7d8b1d8b3d98ad8a9-d8b9d986-d8abd988d8b1d8a9-d8a7d984d8bad984d985d8a7d986-d8abd984d8a7d8abd8a9-d8b4d987d988المرحلة الأولى

الموجة الأولى والتي امتدت من سنة 1925 حتى 1936 وهي موجة الهجرة العربية الأولى حيث شهدت المناطق العربية انتشار عسكري أمني فارسي بعد الاحتلال الإيراني لإمارة المحمرة وأسر حاكمها الأمير خزعل بن جابر الكعبي سنة 1925.بدأت هذه الهجرة مع الساعات الأولى من نشر خبر خطف الأمير و غدره بواسطة عسكريين فرس تظاهروا بانتهاء الأزمة مع أمير الاحواز وطلبوا توديعه لكنهم غدروا بالأمير ونجله وأخذوهم مأسورين إلى طهران ثم أعلنوا الاحتلال واسقاط السيادة العربية في الاحواز من خلال فرض أجواء أمنية وعسكرية استمرت ليومنا هذا.وتذكر احدى وثائق الخارجية الإيرانية عن المجازر التي ارتكبتها القوات الفارسية اثناء ثورة الغلمان التي اندلعت ثلاثة شهور بعد الاحتلال ومنها عملية اغراق زوارق وسفن خشبية(لنش) محملة بالأسر المحمراوية وسط مياه شط العرب وهي في طريق هروبها إلى العراق وتعود هذه الوثيقة لمنشورات وزارة الخارجية الايرانية والتي ارسلها القنصل الفارسي بمدينة البصرة العراقية لوزارة الخارجية الايرانية في طهران،حسب الظاهر من الوثيقة كان القنصل الفارسي يدير الهجوم العسكري ضد الاحوازيين وبالتنسيق مع المستعمر الانجليزي من الاراضي العراقية،جاء فيها ما يلي«تعقيبا لتقريركم رقم 448 الصادر يوم الخامس والعشرين من جولاي 1925م حول هجوم الاعراب على المحمرة،افيدكم وبكل احترام وحسب ما وصلنا أن باخرة خوزستان طاردت الاعراب المهاجمين وقصفت منطقة الفيلية بشدة (منطقة تابعة للمحمرة وعلى ضفاف نهر كارون وفيها قصر الامير الشيخ خزعل بن جابر وقصور ومبان حكومية احوازية) جتى دمرت وسويّت منازل الاعراب بالكامل وقتل حوالي 180 شخص وتم القاء القبض على 100 شخص آخر جميعهم محتجزين لدى قواتنا في عبادان حاليا،كما اغرقنا أربعة زوارق وفيها 60 شخص كانت متجهة من الفيلية باتجاه الاراضي العراقية على الساحل الثاني من شط العرب وقتل كل من فيها».

المرحلة الثانية الثانية

الموجة الثانية والتي امتدت من سنة 1936 حتى 1950 وهي الفترة التي شهد الساحل الشرقي من الخليج العربي و الاحواز أحداث سياسية وصراعات قبلية عديدة ومنها الثورات العربية المناهضة للاحتلال الإيراني وتداعيات فشلها وصدور ما يسمى بفرمانات رضا البهلوي المعروفة بــ(قوانين نزع الحجاب) حيث استخدمتها السلطات الفارسية أداة ضغط على رؤساء القبائل العربية واجبارهم على فرض التعري على زوجاتهم وبناتهم لتكون قدوة لباقي نساء القبيلة الأمر الذي أدى إلى نزوح جماعي للعرب تاركين خلفهم أوطانهم وأرضهم بعد ما خيّروا بين العرض أوالأرض.

وفي منطقة الخفاجية ونواحيها واجهت سلطات الاحتلال الفارسي الرفض والمقاومة بعد ما كانت قد لاقت السكوت والترحيب من قبل بعض مشايخ قبيلة بني طرف في بداية  الاحتلال وكان موقف شيوخ بني طرف امتدادا لصراعات قبلية بغيضة شهدتها الاحواز ونكاية بأمير الاحواز خزعل بن جابر الكعبي،فأخذ المحتل الفارسي يستعمل الذرائع المختلفة، ومنها نزع الحجاب بالقوة عن نساء هذه القبيلة العربية،وكان جنود الاحتلال يهاجمون النساء و يسحبون الأقنعة والعبيّ،اللأمر الذي أدى إلى ثورة عارمة لم يكتب لها النجاح،فأقدم المحتل الفارسي (1925-1941)على نفي الآلاف من أفراد قبيلة بني طرف و العشائر التابعة لها من منطقة البسيتين على الحدود العراقية إلى ميناء جرجان على بحر قزوين مرورا بجبال لورستان الوعرة وطهران حيث بلغت مسافة التبعيد 1300 كيلومتر، وكانت قوافل المبعدين من هذه القبيلة الطائية تضم نساء و رجالا وشيوخا وأطفالا اجبروا على السير مشيا على الأقدام تحت ضرب السياط  في طرق جبلية وعرة حيث قضى الكثير منهم حتفه في هذه الرحلة الشاقة، كما تمكنت الكثير من العشائر العربية من الإفلات من يد السلطات الإيرانية و التوجه إلى العراق واستقرت في المحافظات الجنوبية هناك.

ووثق الدكتور عباس العباسي الطائي عملية التبعيد المروع والقسري في كتاب “قافلة الحب والموت” وهو  ملحمة شعرية كتبها الشاعر نقلا عن شهود عيان ومنهم والده،تروي لنا نكبات ومأسي عملية التبعيد الكبرى التي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص من صغار وكبار ونساء وأطفال ووصفها بالقافلة المظلومة التي مات أكثر من نصفها وهم يساقون مشيّا على الاقدام تحت لسعات السياط ونيران السلاح الفارسي.

المرحلة الثالثة

الموجة الثالثة والتي تمتد من سنة 1950 حتى 1979وهي الفترة التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية عندما دخلت دول الساحل الغربي للخليج العربي في مرحلة تاريخية جديدة لتشهد هذه الدول المزيد من التطور والعمران والنمو الاقتصادي ، فهاجر الكثير من أبناء الاحواز و الساحل الشرقي و الجزر التابعة له و بدوافع اقتصادية إلى دول مجلس التعاون للبحث عن العمل و العيش الكريم دون ان يعوا خطورة ترك ديارهم الأصلية و مصير ما تبقى من أبناء جلدتهم في مواطنهم.

وكانت الحكومات الخليجية و من أجل تبرير تجنيس هولاء العرب و صهرهم في مجتمعاتها الحديثة ومن خلال وسائلها الإعلامية تروّج لمقولة مغلوطة حيث تعتبر أن هؤلاء العرب هم في الحقيقة مواطنون عائدون لموطنهم الأصلي،الأمر الذي ساهم في قطع صلة التواصل بين المهاجرين و أبناء جلدتهم في مواطنهم الأصلية.

كما أن اكتشاف النفط وعمليات استخراجه في الاحواز أدى إلى هجرة واسعة من القرى والريف الاحوازي إلى مراكز المدن ومنها مدينة الاحواز وعبادان ومعشور والمحمرة.

المرحلة الرابعة

كانت الموجة الرابعة من أخطر موجات الهجرة التي شهدتها الاحواز وأكثرها دموية حيث بدأت مع الحرب الإيرانية العراقية سنة 1980واستمرت حتى سنة 1988 حيث نزح قرابة ربع مليون أحوازي إلى الداخل العراقي وأكثر من مليون شخص إلى الداخل الإيراني،خوفا من نيران المدافع و قصف الطيران الحربي لطرفي النزاع ونزحت هذه الجموع البشرية إلى الجانبين الداخل الإيراني و الداخل العراقي لتزيد مأساة جديدة لمآسي هذا الشعب وتصبح الديار خاوية من سكانها.

وعلى الصعيد البشري وصلت أعداد الضحايا العرب في الحرب الإيرانية العراقية إلى 12000 ضحية حسب الإحصائيات الإيرانية الرسمية وتعرض المئات من أبناء هذا الشعب ممن خالفوا الحرب للأعتقال ووجهت للعشرات منهم التهم الجاهزة مثل العمالة للأجنبي والطابور الخامس و التخابر لصالح النظام العراقي حيث اعدموا في غياهب السجون الإيرانية.

و في الجانب العراقي قامت السلطات العراقية بإجبار الآلاف من الاحوازيين الهاربين من جحيم الحرب أن يلتحقوا بالجيش العراقي و أن يدخلوا ساحات الحرب حيث جرح المئات و استشهد أكثر من 150 لاجئ أحوازي في معركة واحدة و عندما انسحب باقي اللاجئين من ساحات القتال قامت السلطات الأمنية العراقية باعتقال المئات منهم في مخيم البتيرة غرب مدينة العمارة العراقية الذي كان يأوي عشرات الآلاف من اللاجئين الاحوازيين .

وبعد أيام من التحقيق و التعذيب نفذت السلطات الأمنية العراقية الإعدام ضد ثمانية عشر لاجئا من الذين رفضوا البقاء في جبهات القتال حيث طبقت عليهم قوانين العقوبات العسكرية باعتبارهم عسكريين وليس لاجئين حرب.

المرحلة الخامسة

وتمتد الموجة الخامسة من الهجرة من عام 2000م حتى يومنا هذا حيث بدأت هذه الموجة بفرار فردي لبعض من الناشطين السياسيين و الإعلاميين و المدافعين عن حقوق الإنسان من ديارهم بعد ما أصدرت السلطات الأمنية الإيرانية مذكرات اعتقال ضد معظمهم خاصة بعد انتفاضة نيسان لعام 2005 و التحقت بهم عوائلهم في ما بعد و اكتملت هذه الموجة بالهجرة الجماعية مع تردي الأوضاع الأمنية التي تلت فترة الاصلاحات و مجئ الرئيس السابق احمدي نجاد وفي عهد الرئيس الحالي حسن روحاني كان التدهور الاقتصادي العام في إيران عامل آخر تسبب باستفحال موجة الهجرة الخامسة من الاحواز عبر الأراضي التركية ثم اليونان باتجاه أوربا الغربية حيث فضلت الأسر الاحوازية ركوب قوارب الموت والسير باتجاه المصير المجهول بدل البقاء في جحيم الاحتلال الإيراني.

One comment on “الهجرة العربية من الاحواز..أسبابها ومراحلها/حامد الكناني

  1. الدوله الكعبيه تصدت الى كتير من الاعداء الانكليز والعثمانين وغيرون ولم يبقى الا بلاد فارس لو بيسادهم العرب يمكن بتعود

    إعجاب

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

WordPress.com Logo

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   / تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   / تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   / تغيير )

Google+ photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Google+. تسجيل خروج   / تغيير )

Connecting to %s