|
|
دعيت لحضور هذا المؤتمر الذي عقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية خلال الفترة من2 ـ2003/9/4, والذي قامت بتنظيمه المنظمة الدولية للهجرة وإدارة السياسات السكانية بالجامعة, وشاركت فيه وفود من عدة دول عربية وعدد من الخبراء العرب من المشرق والمغرب والخليج فضلا عن عدد من الخبراء الأجانب, وممثلون من عدد من المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة. وافتتحه السيد أحمد العماوي وزير القوي العاملة والهجرة والسيد عمرو موسي الأمين العام للجامعة فضلا عن السيد برونسن ماكنلي المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة. ويعقد هذا المؤتمر المهم بشكل دوري, لمناقشة ديناميكية قضايا الهجرة العربية, وقد اتسم بتعدد موضوعاته واتساعها, ابتداء من محاولة تشخيص الآليات المحركة لتيارات الهجرة العربية في ظل العولمة, ومرورا بتحديد تطور هذه التيارات وتوجهاتها وترشيد تحركاتها, وانتهاء بمحاولة بلورة آليات لتفعيل مشاركة الجاليات العربية في حوار الثقافات ونشر مفهوم التكامل الحضاري, إضافة إلي تسليط الضوء علي المرصد العربي للهجرة الدولية, وهو جهاز جديد اقيم بأمانة الجامعة, وهي موضوعات مهمة ومتشعبة كانت تتطلب لدراستها بعمق أكثر من مؤتمر.
ويعكس هذا المؤتمر, وما سبقه من مؤتمرات, الاهتمام المتزايد بقضايا الهجرة في المنطقة العربية, بصفة خاصة, ومشاكل الهجرة بصفة عامة, والتي أصبحت تحتل الأولوية علي أجندة قمم الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية وغيرها. وتزايد وضعها تحت الميكرسكوب السياسي والأمني بعد أحداث11 سبتمبر, أكثر من النظر إليها كظاهرة إنسانية طبيعية مفيدة لطرفيها, وجري التركيز علي سبل مكافحة الهجرة غير القانونية, بينما تقلصت الهجرة القانونية. وفي الواقع إن ظاهرة الهجرة ليست حديثة, بل قديمة قدم الإنسان. فقد لازمته علي مدي القرون والأجيال منذ أن خلق علي كوكب الأرض. ولا ننسي أن الغزوات التي اجتاحت العديد من أرجاء العالم, وفي مقدمتها منطقتنا, كانت إحدي وسائل الهجرة القصرية, والتي صاحبها استقرار مجموعات من الغزاة في بعض البلدان, بل وطرد جانب من سكانها الأصليين ليصبحوا لاجئين في دول أخري تحت دعاوي تاريخية أو دينية أو حضارية. ولتيارات الهجرة العادية والطوعية تأثيرها الإيجابي في تلاقح الثقافات وإيناعها وزيادة عطائها المتبادل, لدورها في توسيع نطاق نشر المعرفة والتكنولوجيا والمهارات بين الشعوب وإسهاماتها في نهضة العديد من الدول وتقدمها, بل وإقامتها من العدم, فضلا عن إنجازات ما يطلق عليه رأس المال الإنساني المهاجر بما يمتلكه من حيوية ومعرفة وثقافة بالإضافة إلي روح التحدي والابتكار والإقدام, التي يتسم بها عادة المهاجر.
وقد تابعت جلسات هذا المؤتمر وتدخلت في مناقشاتها للتعليق علي بعض جوانبها. وكان تدخلي الأول حول ما أثير في الجلسة التي رأسها السيد د. ماجد بن محسن العلوي( وزير العمل والشئون الاجتماعية بالبحرين), والتي تناولت خصائص أنماط الهجرة العربية في دول الخليج وحجمها, وقدم خلالها بحثان, الأول أعده د. أندريه كابيسفيزكي( أستاذ علم الاجتماع ببولندا وسفيرها السابق بأبو ظبي), والثاني قدمته د. نصرة شاه( باكستانية تعمل أستاذة بكلية الطب, جامعة الكويت). فعلقت علي الدراسة الأولي بأنها كانت مغرقة فيما اسميته بأسلوب إطلاق التعميمات السياسية المرسلة وغير المرتبطة بإطار زمني محدد, لشرح بعض متغيرات ظاهرة الهجرة العربية إلي منطقة الخليج, من بينها تبريره انخفاضها بـ قرار المسئولين بدول الخليج, لمخاوف سياسية وأمنية, أن يحددا من عدد العاملين العرب وإحلالهم بعمالة من دول اخري.. حسب قوله. وكان استخدام كلمة مخاوف تعبيرا غير دقيق ومخالفا للواقع. فالتحليل المتعمق كان يقتضي التنويه إلي أن ذلك إنما يرجع لتداعيات نكسة1967 وانحسار التيار القومي, الذي كان يشكل إطارا معنويا وسياسيا لتعزيز العمل العربي المشترك في مختلف المجالات ومن بينها استخدام العمالة العربية, وبدأ استخدام العمالة غير العربية يتزايد. وبعد حرب اكتوبر1973, أدي تصحيح أسعار النفط وتزايد عائداته, إلي ارتفاع استخدام العمالة العربية من جديد عدة مرات, ثم تراجع نسبيا بعد انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات, واستكمال أغلب هياكل البنية الأساسية. ثم أدي غزو العراق للكويت عام1990 إلي عودة مئات الآلاف من العمال العرب, وإثارة الحساسيات تجاه بعض فئاتهم, كما أدي إلي مزيد من تراجع المكون القومي في اختيار العمالة العربية, مقابل تزايد مكون العائد المالي الناجم عن جاذبية استخدام العمالة الأسيوية متدنية الأجر, لا سيما العمالة المنزلية, دون إدراك مخاطرها.
وبالنسبة لبحث نصرة شاه, فقد أشارت إلي ارتفاع العمالة الأسيوية وانخفاض العمالة العربية بعد حرب اكتوبر1973, وهو ما سبق أن أشرنا إلي عكسه, فضلا عن محدودية تحليلها لدلالة الأرقام الواردة في بحثها, وقد أوضحت في تدخلي بصفة خاصة محاذير تزايد الاعتماد علي العمالة الأسيوية التي تحمل معها مخاطر المطالبة مستقبلا بالحقوق السياسية والنقابية وغيرها, علي نحو ما حدث في بعض دول الخليج العربية, كما حرصت علي إيضاح أن العمالة العربية لا تتطلع للمطالبة بذلك لأنها تتحرك وتعمل داخل منطقة انتماء قومي واحد لها خصوصيتها وروابطها ومصطلحاتها, وخلصت إلي القول إنه قد يكون من الأفضل استخدام مصطلح المغتربين العرب في دول الخليج بدلا من المهاجرين العرب. وجاء تدخلي الثاني بعد تلاوة مشروع البيان الختامي للمؤتمر, ولفت نظري في مضمونه بصفة خاصة ما أسماه البعض بالجوانب الإيجابية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر المتمثلة في عودة بعض رؤوس الأموال العربية المهاجرة إلي مواطنها. وفي الواقع فإن نسبتها ضئيلة للغاية مقارنة بتلك التي ما زالت في الخارج. وأوضحت المصطلحات والمعاني التالية:
* أن أحداث11 سبتمبر أدت في الواقع إلي تجميد فرص الهجرة العربية إلي مختلف بقاع العالم لأجل غير مسمي, وكانت تقتضي ـ لأهميتهاـ تخصيص دراسات تقويمية منفصلة لها في هذا المؤتمر, لا سيما وهو مخصص للهجرة العربية. * إن النزيف المالي الناجم عن هجرة الأموال العربية إلي الشمال, أدي إلي تقليص فرص الاستثمار والتوظيف في الوطن العربي بدرجة كبيرة, وبالتالي زاد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الدافعة للهجرة الخارجية.
* وبرغم أن عنوان المؤتمر وهو الهجرة في ظل العولمة فإنه لم يسلط أضواء كافية علي معني العولمة غير الإنسانية المطبقة علي صعيد الواقع, ففكرة العولمة التي تتردد حاليا تخفي وراءها النزعة الأنانية للدول الغنية, فهي تركز علي المناداة برفع الحواجز لتبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال, وفي الوقت نفسه تبني أسوارا عالية في وجه حركة الإنسان الحرة, وتحول دون هجرته الطواعية من الجنوب إلي الشمال, وعادت من جديد النزعة العنصرية التميزية تجاه الإنسان, برغم كل الشعارات والمبادئ المعلنة التي تدعي عكس ذلك. كما رسخت ممارسات العولمة التفاوت بين دول الشمال والجنوب, بل واستغلال الأولي لفرص الاستثمار في الجنوب لنهب مواردها الطبيعية, مما ضاعف من تحديات التنمية, واتساع فجوتها بين الطرفين, مما ولد ضغوطا لدفع المزيد من تيارات الهجرة من الجنوب. * إن المنطقة العربية شهدت عدة حروب إقليمية, لم تشهدها مناطق أخري, والتي أدت إلي عدم الاستقرار واستنزاف مواردها لصالح تجار السلاح, وقلصت بالتالي فرص الاستثمار والعمل أمام أبناء المنطقة, واللجوء للهجرة الإضطرارية.
.. وكان هذا البعد أيضا جديرا بإفراد دراسة علمية له في هذا المؤتمر. * إضافة لذلك فإن ما ينفق من أموال علي مكافحة أشكال الهجرة غير القانونية برغم محدودية جدواها, يعود في جانب منه للعوامل السابقة, وأيضا لرفض أغلب دول الشمال تخصيص حصص للهجرة القانونية واضحة, كإسهام عملي في جهود محاربة الهجرة غير القانونية من الجنوب, وآن الأوان لاتخاذ موقف إيجابي في هذا الشأن.
علي أي حال فإن مثل هذه المؤتمرات تشبه سوق عكاظ, كل يغني علي ليلاه ويعبر عن مواقفه ومآخذه بشأن قضاياه, غير أن المناقشات غالبا ما تكون أقرب للمنولوج منها للحوار, أو لنقل حوار الطرشان, فدول الجنوب, ومنها الدول العربية مازالت تردد مطالبها وتوجه نداءاتها المتتالية لدول الشمال لتبني نظرة أكثر انفتاحا, وإنصافا للهجرة, ولكن دون استجابة تذكر, وستظل مشاكل الهجرة مطروحة باستمرار خلال العقود القادمة, طالما بقيت فجوة التقدم والتنمية تتزايد اتساعا بين الشمال والجنوب. بقيت نقطة أخيرة وهي الإشارة إلي الجهود التنظيمية الملحوظة التي بذلت في هذا المؤتمر والتي تستحق كل التقدير. |
|
|
|
|
|