قضايا و اراء

42654‏السنة 127-العدد2003سبتمبر18‏21 من رجب 1424 هـالخميس

الهجرة العربية في ظل العولمة‏..‏ مناقشات جدلية وتساؤلات
بقلم‏:‏ سفير د‏.‏ مصطفي عبدالعزيز
مدير المركز الاستشاري المصري
لدراسات الهجرة

دعيت لحضور هذا المؤتمر الذي عقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية خلال الفترة من‏2‏ ـ‏2003/9/4,‏ والذي قامت بتنظيمه المنظمة الدولية للهجرة وإدارة السياسات السكانية بالجامعة‏,‏ وشاركت فيه وفود من عدة دول عربية وعدد من الخبراء العرب من المشرق والمغرب والخليج فضلا عن عدد من الخبراء الأجانب‏,‏ وممثلون من عدد من المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة‏.‏ وافتتحه السيد أحمد العماوي وزير القوي العاملة والهجرة والسيد عمرو موسي الأمين العام للجامعة فضلا عن السيد برونسن ماكنلي المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة‏.‏
ويعقد هذا المؤتمر المهم بشكل دوري‏,‏ لمناقشة ديناميكية قضايا الهجرة العربية‏,‏ وقد اتسم بتعدد موضوعاته واتساعها‏,‏ ابتداء من محاولة تشخيص الآليات المحركة لتيارات الهجرة العربية في ظل العولمة‏,‏ ومرورا بتحديد تطور هذه التيارات وتوجهاتها وترشيد تحركاتها‏,‏ وانتهاء بمحاولة بلورة آليات لتفعيل مشاركة الجاليات العربية في حوار الثقافات ونشر مفهوم التكامل الحضاري‏,‏ إضافة إلي تسليط الضوء علي المرصد العربي للهجرة الدولية‏,‏ وهو جهاز جديد اقيم بأمانة الجامعة‏,‏ وهي موضوعات مهمة ومتشعبة كانت تتطلب لدراستها بعمق أكثر من مؤتمر‏.‏

ويعكس هذا المؤتمر‏,‏ وما سبقه من مؤتمرات‏,‏ الاهتمام المتزايد بقضايا الهجرة في المنطقة العربية‏,‏ بصفة خاصة‏,‏ ومشاكل الهجرة بصفة عامة‏,‏ والتي أصبحت تحتل الأولوية علي أجندة قمم الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية وغيرها‏.‏ وتزايد وضعها تحت الميكرسكوب السياسي والأمني بعد أحداث‏11‏ سبتمبر‏,‏ أكثر من النظر إليها كظاهرة إنسانية طبيعية مفيدة لطرفيها‏,‏ وجري التركيز علي سبل مكافحة الهجرة غير القانونية‏,‏ بينما تقلصت الهجرة القانونية‏.‏
وفي الواقع إن ظاهرة الهجرة ليست حديثة‏,‏ بل قديمة قدم الإنسان‏.‏ فقد لازمته علي مدي القرون والأجيال منذ أن خلق علي كوكب الأرض‏.‏ ولا ننسي أن الغزوات التي اجتاحت العديد من أرجاء العالم‏,‏ وفي مقدمتها منطقتنا‏,‏ كانت إحدي وسائل الهجرة القصرية‏,‏ والتي صاحبها استقرار مجموعات من الغزاة في بعض البلدان‏,‏ بل وطرد جانب من سكانها الأصليين ليصبحوا لاجئين في دول أخري تحت دعاوي تاريخية أو دينية أو حضارية‏.‏ ولتيارات الهجرة العادية والطوعية تأثيرها الإيجابي في تلاقح الثقافات وإيناعها وزيادة عطائها المتبادل‏,‏ لدورها في توسيع نطاق نشر المعرفة والتكنولوجيا والمهارات بين الشعوب وإسهاماتها في نهضة العديد من الدول وتقدمها‏,‏ بل وإقامتها من العدم‏,‏ فضلا عن إنجازات ما يطلق عليه رأس المال الإنساني المهاجر بما يمتلكه من حيوية ومعرفة وثقافة بالإضافة إلي روح التحدي والابتكار والإقدام‏,‏ التي يتسم بها عادة المهاجر‏.‏

وقد تابعت جلسات هذا المؤتمر وتدخلت في مناقشاتها للتعليق علي بعض جوانبها‏.‏ وكان تدخلي الأول حول ما أثير في الجلسة التي رأسها السيد د‏.‏ ماجد بن محسن العلوي‏(‏ وزير العمل والشئون الاجتماعية بالبحرين‏),‏ والتي تناولت خصائص أنماط الهجرة العربية في دول الخليج وحجمها‏,‏ وقدم خلالها بحثان‏,‏ الأول أعده د‏.‏ أندريه كابيسفيزكي‏(‏ أستاذ علم الاجتماع ببولندا وسفيرها السابق بأبو ظبي‏),‏ والثاني قدمته د‏.‏ نصرة شاه‏(‏ باكستانية تعمل أستاذة بكلية الطب‏,‏ جامعة الكويت‏).‏ فعلقت علي الدراسة الأولي بأنها كانت مغرقة فيما اسميته بأسلوب إطلاق التعميمات السياسية المرسلة وغير المرتبطة بإطار زمني محدد‏,‏ لشرح بعض متغيرات ظاهرة الهجرة العربية إلي منطقة الخليج‏,‏ من بينها تبريره انخفاضها بـ قرار المسئولين بدول الخليج‏,‏ لمخاوف سياسية وأمنية‏,‏ أن يحددا من عدد العاملين العرب وإحلالهم بعمالة من دول اخري‏..‏ حسب قوله‏.‏ وكان استخدام كلمة مخاوف تعبيرا غير دقيق ومخالفا للواقع‏.‏ فالتحليل المتعمق كان يقتضي التنويه إلي أن ذلك إنما يرجع لتداعيات نكسة‏1967‏ وانحسار التيار القومي‏,‏ الذي كان يشكل إطارا معنويا وسياسيا لتعزيز العمل العربي المشترك في مختلف المجالات ومن بينها استخدام العمالة العربية‏,‏ وبدأ استخدام العمالة غير العربية يتزايد‏.‏ وبعد حرب اكتوبر‏1973,‏ أدي تصحيح أسعار النفط وتزايد عائداته‏,‏ إلي ارتفاع استخدام العمالة العربية من جديد عدة مرات‏,‏ ثم تراجع نسبيا بعد انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات‏,‏ واستكمال أغلب هياكل البنية الأساسية‏.‏ ثم أدي غزو العراق للكويت عام‏1990‏ إلي عودة مئات الآلاف من العمال العرب‏,‏ وإثارة الحساسيات تجاه بعض فئاتهم‏,‏ كما أدي إلي مزيد من تراجع المكون القومي في اختيار العمالة العربية‏,‏ مقابل تزايد مكون العائد المالي الناجم عن جاذبية استخدام العمالة الأسيوية متدنية الأجر‏,‏ لا سيما العمالة المنزلية‏,‏ دون إدراك مخاطرها‏.‏

وبالنسبة لبحث نصرة شاه‏,‏ فقد أشارت إلي ارتفاع العمالة الأسيوية وانخفاض العمالة العربية بعد حرب اكتوبر‏1973,‏ وهو ما سبق أن أشرنا إلي عكسه‏,‏ فضلا عن محدودية تحليلها لدلالة الأرقام الواردة في بحثها‏,‏ وقد أوضحت في تدخلي بصفة خاصة محاذير تزايد الاعتماد علي العمالة الأسيوية التي تحمل معها مخاطر المطالبة مستقبلا بالحقوق السياسية والنقابية وغيرها‏,‏ علي نحو ما حدث في بعض دول الخليج العربية‏,‏ كما حرصت علي إيضاح أن العمالة العربية لا تتطلع للمطالبة بذلك لأنها تتحرك وتعمل داخل منطقة انتماء قومي واحد لها خصوصيتها وروابطها ومصطلحاتها‏,‏ وخلصت إلي القول إنه قد يكون من الأفضل استخدام مصطلح المغتربين العرب في دول الخليج بدلا من المهاجرين العرب‏.‏
وجاء تدخلي الثاني بعد تلاوة مشروع البيان الختامي للمؤتمر‏,‏ ولفت نظري في مضمونه بصفة خاصة ما أسماه البعض بالجوانب الإيجابية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر المتمثلة في عودة بعض رؤوس الأموال العربية المهاجرة إلي مواطنها‏.‏ وفي الواقع فإن نسبتها ضئيلة للغاية مقارنة بتلك التي ما زالت في الخارج‏.‏ وأوضحت المصطلحات والمعاني التالية‏:‏

‏*‏ أن أحداث‏11‏ سبتمبر أدت في الواقع إلي تجميد فرص الهجرة العربية إلي مختلف بقاع العالم لأجل غير مسمي‏,‏ وكانت تقتضي ـ لأهميتهاـ تخصيص دراسات تقويمية منفصلة لها في هذا المؤتمر‏,‏ لا سيما وهو مخصص للهجرة العربية‏.‏
‏*‏ إن النزيف المالي الناجم عن هجرة الأموال العربية إلي الشمال‏,‏ أدي إلي تقليص فرص الاستثمار والتوظيف في الوطن العربي بدرجة كبيرة‏,‏ وبالتالي زاد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الدافعة للهجرة الخارجية‏.‏

‏*‏ وبرغم أن عنوان المؤتمر وهو الهجرة في ظل العولمة فإنه لم يسلط أضواء كافية علي معني العولمة غير الإنسانية المطبقة علي صعيد الواقع‏,‏ ففكرة العولمة التي تتردد حاليا تخفي وراءها النزعة الأنانية للدول الغنية‏,‏ فهي تركز علي المناداة برفع الحواجز لتبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال‏,‏ وفي الوقت نفسه تبني أسوارا عالية في وجه حركة الإنسان الحرة‏,‏ وتحول دون هجرته الطواعية من الجنوب إلي الشمال‏,‏ وعادت من جديد النزعة العنصرية التميزية تجاه الإنسان‏,‏ برغم كل الشعارات والمبادئ المعلنة التي تدعي عكس ذلك‏.‏ كما رسخت ممارسات العولمة التفاوت بين دول الشمال والجنوب‏,‏ بل واستغلال الأولي لفرص الاستثمار في الجنوب لنهب مواردها الطبيعية‏,‏ مما ضاعف من تحديات التنمية‏,‏ واتساع فجوتها بين الطرفين‏,‏ مما ولد ضغوطا لدفع المزيد من تيارات الهجرة من الجنوب‏.‏
‏*‏ إن المنطقة العربية شهدت عدة حروب إقليمية‏,‏ لم تشهدها مناطق أخري‏,‏ والتي أدت إلي عدم الاستقرار واستنزاف مواردها لصالح تجار السلاح‏,‏ وقلصت بالتالي فرص الاستثمار والعمل أمام أبناء المنطقة‏,‏ واللجوء للهجرة الإضطرارية‏.‏

‏..‏ وكان هذا البعد أيضا جديرا بإفراد دراسة علمية له في هذا المؤتمر‏.‏
‏*‏ إضافة لذلك فإن ما ينفق من أموال علي مكافحة أشكال الهجرة غير القانونية برغم محدودية جدواها‏,‏ يعود في جانب منه للعوامل السابقة‏,‏ وأيضا لرفض أغلب دول الشمال تخصيص حصص للهجرة القانونية واضحة‏,‏ كإسهام عملي في جهود محاربة الهجرة غير القانونية من الجنوب‏,‏ وآن الأوان لاتخاذ موقف إيجابي في هذا الشأن‏.‏

علي أي حال فإن مثل هذه المؤتمرات تشبه سوق عكاظ‏,‏ كل يغني علي ليلاه ويعبر عن مواقفه ومآخذه بشأن قضاياه‏,‏ غير أن المناقشات غالبا ما تكون أقرب للمنولوج منها للحوار‏,‏ أو لنقل حوار الطرشان‏,‏ فدول الجنوب‏,‏ ومنها الدول العربية مازالت تردد مطالبها وتوجه نداءاتها المتتالية لدول الشمال لتبني نظرة أكثر انفتاحا‏,‏ وإنصافا للهجرة‏,‏ ولكن دون استجابة تذكر‏,‏ وستظل مشاكل الهجرة مطروحة باستمرار خلال العقود القادمة‏,‏ طالما بقيت فجوة التقدم والتنمية تتزايد اتساعا بين الشمال والجنوب‏.‏
بقيت نقطة أخيرة وهي الإشارة إلي الجهود التنظيمية الملحوظة التي بذلت في هذا المؤتمر والتي تستحق كل التقدير‏.‏

بداية الصفحة

تقارير المراسلين العالم الوطن العربي مصر الصفحة الأولي
ثقافة و فنون الرياضة إقتصاد قضايا و أراء تحقيقات
المرأة و الطفل ملفات الأهرام أعمدة الكتاب القنوات الفضائية